من اشعار العرب

جمال عبد الناصر
(١)
قتلناك .. یا آخر الأنبیاءْ
قتلناكَ ..
لیس جدیداً علینا
اغتیال الصحابة والأولیاءْ
فكم من رسول قتلنا ..
وكم من إمام ..
ذبحناه وھو یصلي صلاةَ العشاءْ
فتاریخنا كلھ محنة وأیامنا كلھا كربلاءْ ..
(٢)
نزلت علینا كتاباً جمیلاً
ولكننا لا نجید القراءه ..
وسافرتَ فینا لأرض البراءه
ولكننا .. ما قبلنا الرحیلا ..
تركناك في شمس سیناء وحدكْ ..
تكلمُ ریكَ في الطور وحدكْ
وتعرى ..
وتشقى ..
وتعطشُ وحدكْ ..
ونحن ھنا .. نجلس القرفصاء
نبیعُ الشعارات للأغبیاء
ونحشو الجماھیر تبناً وقشا
ونتركھم یعلكون الھواء ..
(٣)
قتلناكَ ..
یا جبل الكبریاءْ
وآخرَ قندیل زیتٍ ..
یضيء لنا في لیالي الشتاء
وآخرَ سیفٍ من القادسیھ
وقلنا المنیھْ ..
لماذا قبلتَ المجيءَ إلینا ؟
فمثلكَ كان كثیراً علینا ..
سقیناكَ سمّ العروبة حتى شبعتْ ..
رمیناكَ في نار عمّانَ .. حتى احترقتْ
أریناكَ غدرَ العروبة حتى كفرت
لماذا ظھرتَ بأرض النفاق ..
لماذا ظھرتْ ؟
فنحن شعوبٌ من الجاھلیھ
ونحن التقلبُ ..
نحن التذبذبُ ..
والباطنیھ ..
نبایعُ أربابنا في الصباح
ونأكلھم حین تأتي العشیھْ ..
(٤)
قتلناكَ ..
یا حبنا وھوانا ..
وكنتَ الصدیقَ ، وكنتَ الصدوقَ ،
وكنتَ أبانا ..
وحینَ غسلنا یدینا .. اكتشفنا
بأنا قتلنا منانا ..
وأنّ دماءكَ فوق الوسادة ..
كانتْ دمانا
نفضتَ غبارَ الدراویش عنا
أعدتَ إلینا صبانا ..
وسافرتَ فینا إلى المستحیل
وعلمتنا الزھو والعنفوانا ..
ولكننا ..
حینَ طال المسیرُ علینا
وطالتْ أظفارنا .. ولحانا
قتلنا الحصانا ..
فتبتْ یدانا ..
فتبتْ یدانا ..
أتینا إلیكَ .. بعاھاتنا ..
وأحقادنا .. وانحرافاتنا ..
إلى أن ذبحناكَ ذبحاً
بسیف أسانا ..
فلیتكَ في أرضنا ما ظھرتَ ..
ولیتكَ كنتَ نبيَّ سوانا ...
(٥)
أبا خالدٍ .. یا قصیدة شعر ..
تقالُ .
فیخضر منھا المداد ..
إلى أینَ ؟
یا فارسَ الحلم تمضي ..
وما الشوط . حین یموت الجوادْ ؟
إلى أین ؟
كلّ الأساطیر ماتتْ ..
بموتكَ .. وانتحرت شھرزادْ
وراء الجنازة .. سارت قریشٌ
فھذا ھشامٌ ..
وھذا زیادْ ..
وھذا یریقُ الدموعَ علیكْ
وخنجره ، تحت ثوب الحدادْ
وھذا یجاھدُ في نومھ ..
وفي الصحو ..
یبكي علیھ الجھادْ ..
وھذا یحاولُ بعدك مُلكاً ..
وبعدكَ ..
كلّ الملوك رمادْ ..
وقودُ الخوارج .. جاءت جمیعاً
لتنظم فیكَ ..
ملاحمَ عشق ..
فمنْ كفروكَ ..
ومنْ خونوكَ ..
ومنْ صلبوك بباب دمشقْ ..
أنادي علیكَ .. أبا خالد
وأعرف أني أنادي بوادْ
وأعرف أنكَ لنْ تستجیب
وأن الخوارقَ لیست تعادْ ..
رسالة إلى جمال عبد الناص ر
(١)
والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ :
عندي خطابٌ عاجلٌ إلیكْ ..
من أرضِ مصرَ الطیبھْ
من لیلھا المشغولِ بالفیروزِ والجواھرِ
ومن مقاھي سیّدي الحسین ، من حدائقِ القناطرِ
ومن تُرعِ النیلِ التي تركتَھا ..
حزینةَ الضفائرِ ..
عندي خطابٌ عاجلٌ إلیكْ
من الملایینِ التي قد أدمنتْ ھواكْ
من الملایین التي تریدُ أن تراكْ
عندي خطابٌ كلّھُ أشجانْ
لكنّني ..
لكنّني یا سیّدي
لا أعرفُ العنوانْ …
(٢)
والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ :
الزرعُ في الغیطان، والأولادُ في البلدْ
ومولدُ النبيِّ، والمآذنُ الزرقاءُ ..
والأجراسُ في یومِ الأحدْ ..
وھذهِ القاھرةُ التي غفَتْ ..
كزھرةٍ بیضاءَ.. في شعرِ الأبَدْ ..
یسلّمونَ كلّھم علیكْ
یقبّلونَ كلّھم یدیكْ ..
ویسألونَ عنكَ كلَّ قادمٍ إلى البلدْ
متى تعودُ للبلدْ؟ …
(٣)
حمائمُ الأزھرِ یا حبیبَنا .. تُھدي لكَ السلامْ
مُعدّیاتُ النیلِ یا حبیبَنا .. تّھدي لكَ السلامْ ..
والقطنُ في الحقولِ ، والنخیلُ ، والغمامُ ..
جمیعُھا .. جمیعُھا .. تُھدي لكَ السلامْ ..
كرسیُّكَ المھجورُ .. في منشیّةِ البكريِّ ..
یبكي فارسَ الأحلامْ ..
والصبرُ لا صبرَ لھُ .. والنومُ لا ینامْ
وساعةُ الجدارِ .. من ذھولِھا ..
ضیّعتِ الأیّامْ ..
یا مَن سكنتَ الوقتَ والأیامْ
عندي خطابٌ عاجلٌ إلیكْ ..
لكنّني …
لكنّني یا سیّدي.. لا أجدُ الكلامْ ..
لا أجدُ الكلامْ ..
(٤)
والدُنا جمالَ عبدَ الناصرْ :
الحزنُ مرسومٌ على الغیوم ، والأشجار ، والستائرِ
وأنتَ سافرتَ ولم تسافر ..
فأنتَ في رائحةِ الأرضِ، وفي تفتُّحِ الأزاھر ..
في صوتِ كلِّ موجةٍ ، وصوتِ كلِّ طائرِ
في كتبِ الأطفالِ، في الحروفِ ، والدفاترِ
في خضرةِ العیونِ، وارتعاشةِ الأساورِ ..
في صدرِ كلِّ مؤمنٍ، وسیفِ كلِّ ثائرِ ..
عندي خطابٌ عاجلٌ إلیكْ ..
لكنّني ..
لكنّني یا سیّدي ..
تسحقُني مشاعري ..
(٥)
یا أیُھا المعلّمُ الكبیرْ
كم حزنُنا كبیرْ ..
كم جرحُنا كبیرْ ..
لكنّنا
نقسمُ باللهِ العليِّ القدیرْ
أن نحبسَ الدموعَ في الأحداقْ ..
ونخنقَ العبرهْ ..
نقسمُ باللهِ العليِّ القدیرْ ..
أن نحفظَ المیثاقْ ..
ونحفظَ الثورهْ ..
وعندما یسألُنا أولادُنا
من أنتمُ؟
في أيِّ عصرٍ عشتمُ..؟
في عصرِ أيِّ مُلھمِ؟
في عصرِ أيِّ ساحرِ؟
نجیبُھم: في عصرِ عبدِ الناصرِ ..
الله.. ما أروعھا شھادةً
أن یوجدَ الإنسانُ في عصرِ عبدِ الناصرِ..
الهرم الراب ع
(١)
السیّدُ نامْ
السیّدُ نامْ
السیّدُ نامَ كنومِ السیفِ العائدِ من إجدى الغزواتْ
السیّدُ یرقدُ مثلَ الطفلِ الغافي.. في حُضنِ الغاباتْ
السیّدُ نامَ ..
وكیفَ أصدِّقُ أنَّ الھرمَ الرابعَ ماتْ؟
القائدُ لم یذھبْ أبداً ..
بل دخلَ الغرفةَ كي یرتاحْ
وسیصحو .. حینَ تطلُّ الشمسُ
كما یصحو عطرُ التفاحْ ..
الخبزُ سیأكلھُ معنا ..
وسیشربُ قھوتھُ معنا ..
ونقولُ لھُ ..
ویقولُ لنا ..
القائدُ یشعرُ بالإرھاقِ ..
فخلّوهُ یغفو ساعاتْ ..
(٢)
یا مَن تبكونَ على ناصرْ ..
السیّدُ كانَ صدیقَ الشمس ..
فكفّوا عن سكبِ العبراتْ ..
السیّد ما زالَ ھُنا ..
یتمشّى فوقَ جسورِ النیلِ ..
ویجلسُ في ظلِّ النخلاتْ ..
ویزورُ الجیزةَ عندَ الفجرِ ..
لیلثمَ حجرَ الأھراماتْ .
یسألُ عن مصرَ.. ومَن في مصرَ ..
ویسقي أزھارَ الشرفاتْ ..
ویصلّي الجمعةَ والعیدینِ ..
ویقضي للناسِ الحاجاتْ
ما زالَ ھُنا عبدُ الناصرْ ..
في طميِ النیلِ، وزھرِ القطنِ ..
وفي أطواقِ الفلاحاتْ ..
في فرحِ الشعبِ ..
وحزنِ الشعب ..
وفي الأمثالِ ، وفي الكلماتْ ..
ما زالَ ھُنا عبدُ الناصرْ ..
من قالَ الھرمُ الرابعُ ماتْ؟
(٣)
یا مَن یتساءلُ : أینَ مضى عبدُ الناصرْ ؟
یا مَن یتساءلُ :
ھلْ یأتي عبدُ الناصرْ ..
السیّدُ موجودٌ فینا ..
موجودٌ في أرغفةِ الخُبزِ ..
وفي أزھارِ أوانینا ..
مرسومٌ فوقَ نجومِ الصیفِ،
وفوقَ رمالِ شواطینا ..
موجودٌ في أوراقِ المصحفِ ..
في صلواتِ مُصلّینا ..
موجودٌ في كلماتِ الحبِّ ..
وفي أصواتِ مُغنّینا ..
موجودٌ في عرقِ العمّالِ ..
وفي أسوانَ.. وفي سینا ..
مكتوبٌ فوقَ بنادقنا ..
مكتوبٌ فوقَ تحدینا ..
السیّدُ نامَ.. وإن رجعتْ
أسرابُ الطیرِ.. سیأتینا..
الحاكم والعصفو ر
أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
لأقرأَ شعري للجمھورْ
فأنا مقتنعٌ
أنَّ الشعرَ رغیفٌ یُخبزُ للجمھورْ
وأنا مقتنعٌ – منذُ بدأتُ –
بأنَّ الأحرفَ أسماكٌ
وبأنَّ الماءَ ھوَ الجمھورْ
*
أتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّ
ولیسَ معي إلا دفترْ
یُرسلني المخفرُ للمخفرْ
یرمیني العسكرُ للعسكرْ
وأنا لا أحملُ في جیبي إلا عصفورْ
لكنَّ الضابطَ یوقفني
ویریدُ جوازاً للعصفورْ
تحتاجُ الكلمةُ في وطني
لجوازِ مرورْ
*
أبقى ملحوشاً ساعاتٍ
منتظراً فرمانَ المأمورْ
أتأمّلُ في أكیاسِ الرملِ
ودمعي في عینيَّ بحورْ
وأمامي كانتْ لافتةٌ
تتحدّثُ عن (وطنٍ واحدْ )
تتحدّثُ عن (شعبٍ واحدْ )
وأنا كالجُرذِ ھنا قاعدْ
أتقیأُ أحزاني ..
وأدوسُ جمیعَ شعاراتِ الطبشورْ
وأظلُّ على بابِ بلادي
مرمیّاً ..
كالقدحِ المكسورْ

يسلمواااا

موضوع راائع
لا تحرمينا من جديدك
الله يعطي العافية